قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} فيها خمسة أقاويل:أحدها: أنها عهود الله، التي أخذ بها الإِيمان، على عباده فيما أحله لهم، وحرمه عليهم، وهذا قول ابن عباس.والثاني: أنها العهود التي أخذها الله تعالى على أهل الكتاب أن يعملوا بما في التوراة، والإِنجيل من تصديق محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ابن جريج.والثالث: أنها عهود الجاهلية وهي الحلف الذي كان بينهم، وهذا قول قتادة.الرابع: عهود الدين كلها، وهذا قول الحسن.والخامس: أنها العقود التى يتعاقدها الناس بينهم من بيع، أو نكاح، أو يعقدها المرء على نفسه من نذر، أو يمين، وهذا قول ابن زيد.{أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} فيها ثلاثة أقاويل:أحدها: أنها الأنعام كلها، وهي الإِبل، والبقر، الغنم، وهذا قول قتادة، والسدي.والثاني: أنها أجنة الأنعام التى توجد ميتة فى بطون أمهاتها، إذا نحرت أو ذبحت، وهذا قول ابن عباس، وابن عمر.والثالث: أن بهيمة الأنعام وحشيها كالظباء وبقر الوحش، ولا يدخل فيها الحافر، لأنه مأخوذ من نعمة الوطء.قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ} أى معالم الله، مأخوذ من الإِشعار وهو الإِعلام.وفي شعائر الله خمسة تأويلات:أحدها: أنها مناسك الحج، وهو قول ابن عباس، ومجاهد.والثاني: أنها ما حرمه الله فى حال الإحرام، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.والثالث: أنها حرم الله، وهو قول السدي.والرابع: أنها حدود الله فيما أحل وحرَّم وأباح وحظَّر، وهو قول عطاء.والخامس: هي دين الله كله، وهو قول الحسن، كقوله تعالى: {ذّلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 22] أى دين الله.{وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ} أي لا تستحلوا القتال فيه، وفيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه رَجَبُ مُضَر.والثاني: أنه ذو العقدة، وهو قول عكرمة.والثالث: أنها الأشهر الحرم، وهو قول قتادة.{وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ} أما الهدي ففيه قولان:أحدهما: أنه كل ما أهداه من شيء إلى بيت الله تعالى.والثاني: أنه ما لم يقلّد من النعم، وقد جعل على نفسه، أن يُهديه ويقلده، وهو قول ابن عباس.فأما القلائد ففيها ثلاثة أقاويل:أنها قلائد الهدْي، وهو قول ابن عباس، وكان يرى أنه إذا قلد هديه صار مُحرِماً.والثاني: أنها قلائد من لحاء الشجر، كان المشركون إذا أرادوا الحج قلدوها فى ذهابهم إلى مكة، وعَوْدهم ليأمنوا، وهذا قول قتادة.والثالث: أن المشركين كانوا يأخذون لحاء الشجر من الحرم إذا أرادوا الخروج منه، فيتقلدونه ليأمنوا، فَنُهوا أن ينزعوا شجر الحرم فيتقلدوه، وهذا قول عطاء.{وَلاَ ءَامِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ} يعنى ولا تحلوا قاصدين البيت الحرام، يقال أممت كذا إذا قصدته، وبعضهم يقول يممته، كقول الشاعر:إني لذاك إذا ما ساءني بلد *** يممت صدر بعيري غيره بلداً{يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً} فيه قولان:أحدهما: الربح فى التجارة، وهو قول ابن عمر.والثاني: الأجر، وهو قول مجاهد {وَرِضْوَاناً} يعني رضي الله عنهم بنسكهم.{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} وهذا وإن خرج مخرج الأمر، فهو بعد حظر، فاقتضى إباحة الاصطياد بعد الإِحلال دون الوجوب.{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَان قَوْمٍ} في يجرمنكم تأويلان.أحدهما: لا يحملنكم، وهو قول ابن عباس، والكسائي، وأبي العباس المبرد يقال: جرمني فلان على بغضك، أى حملني، قال الشاعر:ولقد طعنت أبا عيينة طعنة *** جرمت فزارة بعدها أن يغضبواوالثاني: معناه ولا يكسبنكم، يقال جرمت على أهلي، أي كسبت لهم، وهذا قول الفراء.وفي {شَنَئَانُ قَوُمٍ} تأويلان:أحدهما: معناه بغض قوم، وهذا قول ابن عباس.والثاني: عداوة قوم، وهو قول قتادة.وقال السدي: نزلت هذه الآية فى الحُطَم بن هند البكري أَتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إِلاَمَ تَدعو؟ فأخبره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «يَدْخُلُ اليَوْمَ عَلَيكُم رَجُلٌ مِن رَّبِيعةَ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ» فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنظرني حتى أشاور، فخرج من عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِرٍ، وَخَرجَ بِقَفَا غَادِرٍ» فمر بسرح من سرح المدينة، فاستقاه وانطلق وهو يرتجز ويقول:لقد لفها الليل بسواق حطم *** ليس براعي إبل ولا غنمولا بجزار على ظهر وضم *** باتوا نياماً وابن هند لم ينمبات يقاسيها غلام كالزلم *** خدلج الساقين ممسوح القدمثم أقبل من عام قابل حاجاً قد قلد الهدي، فاستأذن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلوه، فنزلت هذه الآية حتى بلغ {ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} فقال له ناس من أصحابه: يا رسول الله خلّ بيننا وبينه، فإنه صاحبنا، فقال: «إنه قد قلد».ثم اختلفوا فيما نسخ من هذه الآية بعد إجماعهم على أن منها منسوخاً على ثلاثة أقاويل:أحدهما: ان جميعها منسوخ، وهذا قول الشعبي، قال: لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية.والثاني: أن الذى نسخ منها {وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ ءَآمِّينَ الْبَيتَ الْحَرَامَ} وهذا قول ابن عباس، وقتادة.والثالث: أن الذي نسخ منها ما كانت الجاهلية تتقلده من لحاء الشجر، وهذا قول مجاهد.